Pages

بسم الله الرحمان الرحيم



بسم الله الرحمان الرحيم

مرحبا بكم

Meditations

Nov 26, 2019

Dangerous Knowledge المعرفة الخطرة



أعتقد أن المفكر الحقيقي هو الذي لا يخاف على ماله أو منصبه أو مكانته... و لكن ما يخاف عليه حقا هو عقله لأن المعرفة "خطرة" و صعبة و أعلى من مقررات  و قدرات العقل الفردي نفسه ربما المعرفة الأقل ضررا هي ما تنتجه الجماعة بجهدها الغير واعي في صناعة الأنساق في كليتها فتريح المفكر الفرد من عناء الولوج وحيدا في المعرفة

 المفكر الفرد يخاف من الجنون ثم يتهم به لاحقا تحت مسمى " الجنون" أو "فقدان العقل" ...و العقل هنا ليس عقل المحسوسات الطبيعية بالمجردات الفكرية فقط فهو حاصل عند أي إنسان بالضرورة لكن هو بالضرورة الإحداثياتCoordinates التي تجعل الجماعة تتواضع عقليا على سلوكيات و موضوعات تحدد وجودها و تحدد بطريقة اعتباطية حدود العاقل و حدود المجنون من أشياء و الأفعال و حتى الذوات و لو انعدمت الجماعة لسقطت كل تلك المحددات الفاصلة بين الجنون و العقل .
لمن ما يفعله المفكر الفرد هو الولوج الشجاع الخالي من الحجب للحمى و الحدود التي رسمها الاعتباط الجماعي collective Arbitrary "فلا قرية دون مجنون و لا قبيلة دون حكيم يردد حكمة مجنون سبقه "


فكيف تكون المعرفة خطرة إذن ..

 لذلك نحن نعلم من شواهد التاريخ أن جزءا كبيرا من المفكرين إما جنوا أو انتحروا أو عاشوا اضطرابات نتيجة لحملهم للقول الثقيل الذي يفوق مداركهم و يستنزفه  بمعنى الإدراك  conception
في جزء كبير منه بحسب برغسون مثلا تواضعي قررته الجماعة و لم يبدع فيه و لم يغير فيه الفرد إلا نادرا و قد يتعرض المفكر الفرد لأقسى أنواع الإنكار و التشنيع فتم تسمية الفنانين و الفلاسفة و الأنبياء بالمجانين .
و متى امتلك مفكرٌ ما قبسا من معرفة ما حتى تمتلك جزءا منه فتصل للمحضور و هو مجاله الخاص في عالمه هو عالمه التفاعلي Interactive world مع الآخر أي أنه يخوض صراعا و إعادة تطويع و إعادة الإنشاء لما علمه اكتسابا من المجتمع بطريقة غير واعية و سلسة و ما علمه اكتسابا فرديا بجهد ومشقة واعية . 
و هنا لن نتماهى مع الأفلاطونية المبدعة القائلة بأن المعرفة دائما مفيدة و خير أو دائما تبلغنا الحقيقة على اعتبار الحقيقة نفسها ليست حكرا على شخص واحد أو فرد فهي مبثوثة في العالم الإنساني و لكل حقيقته المتدثر بها و بذلك تعتبر أمثولة الكهف ليست إلا ثنائية قديمة تقابل الحامل للحقيقة و المحروم منها و هنا لسنا بصدد الحديث عن الحقيقة كشرف أو فضيلة أو أسلوب procedure سوي و نافع 

فالمعرفة ليست بالضرورة الحقيقة و لا بد للمعرفة من مقابل عملي و نموذجي تطبيقي يعيشه الفرد المفكر و هذا المقابل عادة ما يكون خارجا عن نطاق ما قررته الجماعة و تبقى المعرفة تفعل في المفكر الحامل لها في ضروب ثلاثة أدناها أنها تستعلي به عن ما حققه غيره من معارف الإستعلاء superiority فتسكنه برجه العاجي و تحبسه عن المعارف الأخرى حتى تجد المفكر العاشق للمعرفة يفقد الكثير من المهارات و حتى المعارف التي يتخلى عنها لصالح معرفة أعلى في مستوى ذاته لاكتشافه إياها و إيمانه بها أما أوسطها الذوبان Solubility في معرفته أو الفناء فيها فيتماهى معها و ينجذب إليها و ينسى و لا يهتم بسواها فأشبه التعلق بالأفكار كالتعلقات العاطفية العشقية و غالبا ما تكون نهاية هذا الحال بالانقطاع عن التواصل الوظيفي functional communicating مع العالم وهي العزلة أو حتى فقدان التواصل البيولوجي الفيزيقي كالإنتحار مثلا وهو المرحلة الأخيرة من امتلاك المعرفة و تنتهي بالإنسحاق Crushing لصالح المعرفة لا التماهي معها أو الذوبان فيها بعد أن فقد كل سبل تطبيقها خارجه و أعظم المعارف قتلت أصحابها بإرادتهم كسم سقراط أو إرادة غيرهم كإعدام السهروردي ليفنى الشخص و تبزغ الفكرة و الدعوة إليها و تمتد بعد انسحاقه و يقبلها النسق العام للمجتمع لاحقا بعد أن قتلوا من ولدها كبني إسرائيل في قتلهم لأنبيائهم .

و المانع من الإنسحاق في المعرفة هو تطبيق و الاشتغال بالمعرفة و الدعوة إليها و خوض معركة الدفاع عنها داخل أوساط لا تتقبلها إما جهلا أو كفرا بها و بذلك تبرز قيمة الأديولوجيا كقالب معقلن للمعرفة الخطرة و قالب يسمح للكثيرين بالتعامل معها و فهمها و نقلها و إيجاد فروع لها .

و مع سقوط دعوة المقولة الأديولوجية في العصر الحديث بقيت المعرفة خطرة على حامليها حتى انتهى الشجعان و ظهر الجبناء الذين يخافون حملها لصالح ما يسمونه تقنية فيصبح الإنسان من آية إلى آلة ليست لها القدرة على معرفة الأسماء كلها


No comments: