Pages

بسم الله الرحمان الرحيم



بسم الله الرحمان الرحيم

مرحبا بكم

Meditations

Aug 13, 2019

محمد أركون | مفهومُ العقلِ الاستطلاعيِّ

سلسلة " مع الفيلسوف ؛ محمد أركون "


- إنّه العقل المناقض للعقل الدّوغمائي ، إنّه العقل النقدي المتمرِّد على التقليد والاجترار والطامح إلى معرفة " ما مُنِع التفكير فيه ". ومن السِّمات التي يتميز بها العقل الاستطلاعيّ :

• إنّه يصرِّح بمواقفه المعرفيّة ، ويطرحها للبحث والمناظرة ، ويخترق حاجز " ما لا يمكن التفكير به " خلال مرحلة نقده وبحثه ، ثمَّ يقرِّر المحدوديّة التاريخية لهذه المرحلة ، لأنه يحرص على الشموليّة والإحاطة بجميع ما توفَّر حول الموضوعات المُعالَجة ، وهو ما ينافي القول بالتشبث بتفوّق أمة ، أو اتجاه ، أو لغة ، أو عصر ، أو دين ، أو فلسفة ، على غيرها. أي التمرّد على أي نوع من أنواع الانغلاق الدّوغمائي ، فالعقل الاستطلاعي الجديد هو " تمرّد عقلي ".

• يعتمد على نظرية التنازع بين التأويلات بدلاً من التعصب لوجهة نظر واحدة. ويقرّ باستحالة التأصيل ، حتى لا يؤدي لتشكيل سياج دوغمائي من نوع السياجات التي يسعى هو للخروج منها.

• العقل الجديد لا ينحاز للشرق أو الغرب ، إلى الدين أو الدنيا ، إلى سياسة شرعية لاهوتية أو فلسفة إيجابوية علمانوية. أي أنه ظاهرة إنسانيّة عامة وكليّة ، تمتد إلى مختلف جوانب الحياة ومجالاتها الفكرية أو الواقعية.

• الإيمان بأنه لا سبيل لوساطة العقل البشري بين الخطاب الإلهي والخطابات البشريّة ، دون أن يخضع الأول للنقد والتأويل ، لأن هذا العقل الجديد مرتبط بوظائفه بمختلف تصرفات أفراد البشر أو "الممثلين الاجتماعيين".

• يتجاوز العقل الجديد كل العقول السابقة ، فهو العقل الذي يستطيع أن ينتقد تجربة كل ما سبقه من عقول ، فالجديد الذي يدعو إليه يتخذ مسافة متساوية من كل السياجات الدّوغمائية المغلقة سواء كانت دينية أو دنيوية. فالأبحاث الرياديّة والاستكشافية التي يتبناها العقل الجديد هي وحدها القادرة على فتح الأبواب المُوصدَة للتاريخ ، وذلك باعتمادها على المواقع المنهجيّة والابستمولوجيّة الموجّهة نحو البحث النقدي عن آفاق جديدة للمعنى والوجود. وهي مهمة العقل المتمرّد الذي يتمسك بتطبيق المنهج النقدي والابستمولوجيا التاريخية والنقدية ، حتى على مضامين
الإيمان الأكثر قداسة ، أو التي قدَّسها تراكم الزمن ومرور
القرون. إذ الغاية المستمرة للنص المقدَّس أو النص المغلق ؛ تكمن في ترسيخ يقين ومعنى نهائي وفوق تاريخي للوجود البشري.

- هنا يفرِّق أركون فيما يتعلق بالفكر الإسلامي بين الظاهرة القرآنية أو الحدث التاريخي وبين القرآن. فالقرآن كتاب تأسيسي ذو لغة مجازية عالية ، ككل الكتب الدينية كان يحتمل منذ البداية عدة تأويلات تاريخية ، فكل فئة اجتماعية - تاريخية ؛ فهمت القرآن بطريقة ما ، وحوَّلته إلى عقيدة ذاتية وانغلقت داخلها ، واعتبرت كل التأويلات الأخرى بمثابة الانزلاق ، وهكذا نشأت الفرق الإسلاميّة عبر التاريخ ، وكل فرقة تدَّعي الإسلام الصحيح ، في حين أنه لا يوجد إسلام صحيح وإسلام خاطئ ، وإنما توجد عدة تجليّات للرسالة نفسها.

- وهكذا فمهمة العقل الاستطلاعي هي قلب هذا المنظور اللاهوتي المسيطر والدخول في المنظور الاجتماعي والتاريخي ، وهذا لا يتحقق إلا من خلال تنفيذ مشروع نقد العقل الإسلامي .

________________

- الفلسفة العربية المعاصرة ( تحولات الخطاب من الجمود التاريخي إلى مآزق الثقافة والإيديولوجيا ) مجموعة من الأكاديميين العرب ، منشورات الاختلاف ، الجزائر.