Pages

بسم الله الرحمان الرحيم



بسم الله الرحمان الرحيم

مرحبا بكم

Meditations

Jun 7, 2011

مرةً أخرى.. عبثاً يحاولون

لايوجد أكثر مما يمكن أن يُقال في مثل هذه الأيام.

وليس أسهل من أن تُسطّر آلاف الكلمات في وصف مايجري في مصر خصوصاً.

لكن المصير العربي كله صار الآن على المحكّ. وربما كان علينا أن ننظر ولو قليلاً إلى مابعد مصر. عسى أن نتجنب العواصف القادمة، أو نتجاوزها بأقل قدرٍ ممكن من الخسائر.

لكن هذا لن يكون ممكناً بعيداً عن مصارحات تضعنا جميعاً أمام حقيقة الموقف، ولو باستخدام كلمات قلناها من قبل تعبّر تماماً عن الحال، ولاداعي للتكلّف في إعادة صياغتها بأسلوبٍ مختلف. وهانحن نقولها مرة أخرى كما كانت للتاريخ.

عبثاً.. يحاول بعض العرب أن يحجبوا الشمس بغربال..

عبثاً.. يحلمون بأن تعود عقارب الساعة إلى الوراء..

عبثاً.. يأملون بإمكانية السير عكس اتجاه التاريخ.. وعكس اتجاه المنطق.. وعكس كل اتجاهٍ يتفق عليه البشر..

عبثاً.. يحاول بعض العرب أن يعيشوا وتعيش أوطانهم وشعوبهم بعقلية (الإنكار).. إنكار المتغيرات.. وإنكار المستجدات.. وإنكار الحقائق.. وإنكار المعادلات..

يعرف هؤلاء أن قمقم السكون والرّتابة والتقليد انكسر في هذا العصر.. وأن إمكانية ترقيع ذلك الكسر أو إصلاحه أصبح مجرد ذكرى تنزوي بحياءٍ في ذمّة التاريخ..

يدركون أن مارد التغيير خرج منه بضجيجٍ يصمَّ الآذان في كل مكان.. وأن مياه نهر الإنسانية المتدفق لن تجري في نفس البقعة مرتين.. وأن الحيوية البشرية فجّرت مع ثورة الاتصال والمعلومات، مرةً واحدةً وللأبد، كل الأسوار والحصون والقلاع التقليدية القديمة..

يعلمون أن (الثابتَ) الوحيد في هذا الزمن أصبح (التغيير).. رضي من رضي. وسخط من سخط.. وأن تحنيط الزمان أو اختزاله في موقفٍ أو شخصٍ أو جماعةٍ أو قرارٍ أو هيكلٍ إداريٍ أو سياسيٍ معين لم يعد ممكناً على الإطلاق..

يشعرون بأن (عزل) بيتهم أصبح مستحيلا.. وبأن الجدران التي كانوا يختبئون وراءها بالأمس القريب صارت من زجاج.. وبأن إخفاء الحقائق والوقائع والأحداث صار ضرباً من الأوهام.. وبأن عين العالم والتاريخ باتت تخترق كل الحواجز والسدود..

يؤمنون أن لغة اليوم اختلفت عن لغة البارحة.. وأن المفردات والمصطلحات والتعابير والأساليب القديمة صارت من خشب.. فإما أن تأكلها نار الشمس التي ستصل عاجلاً أو آجلاً إلى كل مكان.. أو تملأَها بالرطوبة والعفن ماءُ الحقيقة التي باتت تتسرب في كل طريق..

رغم هذا. ترى بعض العرب يستمرون في (محاولة) استخدام اللغة القديمة بكل مفرداتها البالية.. عسى ولعلّ..

ينظّم العالمُ من حولهم طريقةً لاستخدام النقد عالمياً ببطاقاتٍ بلاستيكية ذكية.. فيستخدم بعض العرب هذه البطاقات لـ (تنظيم) عمليةٍ معقّدة تُسمّى.. الدخول إلى المساجد!..

يمنحُ العالمُ من حولهم القضاةَ أوسمة الشرف، ويقدّمونهم في المجالس والاحتفالات.. فيمنح بعض العرب قضاتهم (علقةً) ساخنةً في الشوارع والساحات، ويقدّمونهم لمجالس التأديب في قاعات المحاكم..

يبحث العالمُ من حولهم عن الفاسدين والمرتشين وحمَلة المباخر والمنافقين لمحاسبتهم ومعاقبتهم وفضحهم وتوبيخهم، فيصبحوا في مجتمعاتهم عملةً فاسدة ممنوعةً من الصرف.. ويبحث بعض العرب عن أمثال هؤلاء ليضعوهم في مواقع الرأي والاستشارة والقرار، ليصبحوا العملة الوحيدة الصالحة للصرف.. ويصبح (صرفهم) من مراكزهم أقرب عند الشعوب من المستحيل..

يستخدم العالمُ من حولهم المنظمات الدولية بذكاء ومهارة لتحقيق مصالحهم.. ويستخدمها بعض العرب لإجبار أنفسهم على إنهاء حرب أهليةٍ هنا.. وعلى مصالحة أنفسهم وإنشاء علاقات دبلوماسية بينهم هناك.. وعلى تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية هنالك..

يفعل العالمُ من حولهم المستحيل لإنجاح التجارب الجديدة.. ويفعل بعض العرب المستحيل لمحاصرة بعضهم بعضاً، و بستخدمون كل أنواع المكر والخديعة والاحتيال لإفشال تجاربهم الوليدة وقتلها في مهدها..

يفسحُ العالم من حولهم كل مجال ممكن للوجوه الجديدة.. ويسيّر بعض العرب التظاهرات، ويطيّرون البرقيات، ويدبّجون الدراسات، للتأكيد على ضرورة وأهمية تجريب المُجرَّب، وتكرار المُكرَّر، وإعادة المُعاد.. ولتجميد الزمان عند نقطةٍ محددةٍ لم يكن قبلها شيء، ولن يكون بعدها شيء.. كانت ولادتُها ولادة الوطن، وستكون نهايتُها نهايته..

يبحث العالم من حولهم بكل طريقة عن الأفكار الجديدة، والآراء الجديدة. ويحتفلون بها. ويدركون أنها نبعُ الاستمرارية، وسببُ التطور، وسرُّ البقاء.. ويخاف بعض العرب من كل فكرةٍ جديدة، أو رأيٍ غير مألوف، أو طرحٍ لم يقل به الأقدمون.. فيشعلون الضوء الأحمر، و لايتورعون عن التشهير بالسيوف، للتحذير من خطورة ما سيجري على البلاد والعباد في حالة تبديل حرفٍ في كلمة.. أو تغيير كلمةٍ في سطر.. أو نقد رأيٍ ورد في كتاب..

يأخذ العالم من حولهم المثقفين والأدباء والمفكرين ليضعوهم على قمم المجد والتكريم والفَخَار.. ويأخذ بعض العرب مثقفيهم وأدباءهم ومفكريهم ليضعوهم في أقبية السجون العفِنة. لأنهم ببساطة وقّعوا على بيان، أو لأنهم حضروا مؤتمراً، أو لأنهم نطقوا بعبارة..

هكذا. يحاول بعض العرب أن يرسموا تاريخاً منفصلاً عن تاريخ البشر.. وأن يصنعوا واقعاً منعزلاً عن واقع البشر.. وأن يسيروا في طريقٍ يهجره البشر وحداناً و زرافات..

هكذا يحاولون.. عسى ولعل..

وعبثاً يحاولون..

ليست المشكلة أن تكون عربياً في هذا الزمان كما يُشيع البعض..

ليست المشكلة في كلّ العرب..

بل ربما كان أَصحَّ أن نقول: إن بعض العرب هم المشكلة..

صدق التاريخ وأنبياؤه: إذا لم تستح فاصنع ماشئت..



نُشرت في (المدينة) السعودية و(العرب) القطرية

No comments: