Pages

بسم الله الرحمان الرحيم



بسم الله الرحمان الرحيم

مرحبا بكم

Meditations

Jan 30, 2013

كيف تجري بحثاً علمياً؟



استطيع القول أن هنالك أكثر من مدرسة للبحث العلمي. فالمدرسة التقليدية في البحث تقوم على مراجعة الأوراق البحثية التي تتحدث عن مشكلة معينة (تسمى هذه العملية Literature Review) ، ومن ثم نحاول تطوير الحلول المطروحة أو الإجابة عن الاسئلة التي لا تزال مطروحة. وأنا حالياً من المعارضين تماماً لهذا الأسلوب! ولن اتحدث هنا عن مشاكل هذه الطريقة وسأكتفي فقط بذكر الأدوات اللازمة -من وجهة نظري- لإجراء بحث علمي.
اعتقد أن أهم أداة في البحث العلمي هي التفكير النقدي (Critical Thinking)، ويمكن تعريف هذا المصطلح بكلمة واحدة: الشك! ويعتبر الحسن ابن الهيثم المؤسس الحقيقي لمنهج البحث العلمي الحديث وهو -برأي الكثيرين- أعظم علماء الطبيعة على الإطلاق. وأود أن انقل مقطعاً من كتابه “شكوك على بطليموس”، فقد نبه إلى أن “حسن الظن بالعلماء السابقين مغروس في طبائع البشر ، وأنه كثيرًا ما يقود الباحث إلى الضلال ، ويعوق قدرته على كشف مغالطاتهم ، وانطلاقه إلى معرفة الجديد من الحقائق ، وما عصم الله العلماء من الزلل ، ولا حمى علمهم من التقصير والخلل ، ولو كان ذلك كذلك ، لما اختلف العلماء في شيء من العلوم ، ولا تفرَّقت آراؤهم في شيء من حقائق الأمور!…” ويقول أيضاً بأن الباحث عن الحقيقة يجب أن يجعل نفسه عدواً لكل ما يقرأ وأن يهاجمه من كل جانب. كما يتوجب عليه أيضاً ان يمحص نفسه أثناء قيامه بذلك، فلعله قد سقط في التساهل أو الأحكام المسبقة! إن تطبيق كلام ابن الهيثم في البحث العلمي يعني -مبدئياً- أن نشك في جميع الحلول المطروحة. وأن نقرأ الأوراق البحثية بنظرة نقدية شاكة في صحة المكتوب.
هذه الأداة تقودنا إلى الأداة الثانية في البحث العلمي، وهي دراسة المشكلة وليس الحل! ويمكن أن نلخص البحث العلمي بأنه البحث عن السؤال الصحيح وليس الجواب! وهذا ما يميز طالب الدراسات العليا عن طالب المرحلة الجامعية الأولى. فعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، يتوجب على طالب الجامعة أن يفهم البرهان النظري للحلول المطروحة وذلك لكي يتمكن من تكييفها ومواءمتها عند مواجهة مشاكل جديدة. بينما يتوجب على طلاب الدراسات العليا أن يفهموا المشكلة التي أدت إلى ظهور هذه الحلول. (اعتقد أن المشكلة الأساسية في التعليم الجامعي هو أن الطالب لا يشعر بأهمية البراهين النظرية التي يتلقاها، ويعتقد بأنها مجرد عبئ زائد لابد من تحمله! والحل – برأيي – هو تعريض الطالب لمسائل عملية تتطلب تكييف الحلول المطروحة. ولا يمكن تحقيق ذلك دون فهم للبراهين النظرية).
اعتقد أن أوضح مثال على أهمية دراسة المشكلة هو الفيديو الذي يتحدث عن “الحاسة السادسة” (Sixth Sense) وهو أحد الأبحاث في MIT التي تتعلق بتفاعل الإنسان والحاسوب. وبغض النظر عن الأفكار العملية التي نتجت عن هذا البحث، فإن محور البحث -من وجهة نظري- هو الجانب المفاهيمي. بعبارة أخرى، توصل الباحث إلى أنه يوجد عالَمَان، أحدهما واقعي والآخر رقمي، وجميع آليات التفاعل بين هذين العالمين تتجه من العالم الواقعي إلى العالم الرقمي، فلماذا لا نقوم بإخراج العالم الرقمي إلى العالم الواقعي؟ إي لماذا لا نقوم بعكس اتجاه التفاعل؟ هذا المثال يعبر تماماً عن الدراسة الصحيحة للمشكلة، ومحاولة إيجاد السؤال الصحيح. وجميع الأفكار التي تم عرضها في الفيديو -على روعتها- لا تعدو عن كونها إجابات متعددة لهذا السؤال. وبالتالي فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن هذه التطبيقات أتت دون دراسة المشكلة دراسة صحيحة وإيجاد السؤال الصحيح.
من المهم أيضاً ملاحظة أن الأوراق البحثية تحوي فقط نتائج البحث العلمي دون أن تشرح آلية التفكير أو الطريقة التي تم استخدامها للوصول إلى حل المشكلة. فهي تكتفي بالتحدث عن “النجاحات” دون أن ترسم الطريق الذي سلكه أصحاب البحث للوصول إلى النتائج أو الخوارزمية التي تحل المشكلة. وبالتالي يتوجب عند قراءة ورقة بحثية ما أن نقوم بما يشبه الهندسة العكسية “Reverse Engineering”، وأن نحاول أن نقرأ بين السطور لفهم السبب وآلية التفكير التي أدت للوصول إلى هذه النتيجة.

عبد الرحمن اللحام

No comments: