Pages

بسم الله الرحمان الرحيم



بسم الله الرحمان الرحيم

مرحبا بكم

Meditations

Sep 5, 2014

خطبة الجمعة 5سبتمبر 2014


خطبة الجمعة 5سبتمبر 2014
فتنة من سمّوا أنفسهم "دولة إسلامية"
.................
لطفي العكرمي ابن الحسن

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ومن لا نجاة ولا فلاح إلا لمن اهتدى بهديه وتخلق بأخلاقه..
أمّا بعد، وقد سبق الحديث عن وجوب الحذر من الفتن، وهي اليوم أمواج تتلاطم يخوض فيها الخائضون دون تريث أو تعقل أو خوف من الله، فإنه من الضروري التنبّه إلى فتنة أخرى كبيرة وخطيرة، وهي فتنة التنطع والتشدد، وقد نبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال "هلك المتنطعون" قالها ثلاثا.. والتنطع في بيان أهل اللغة: المغالاة والتكلف في الأمر، فإنها فتنة تأكل جسم المسلمين من الداخل، بها تُهدر طاقات الشباب في الفروع الخلافية، وتُنتهك الحرمات والأعراض وتتفرق الأمة، وزاد الخطر حين أعلنوها دولة في العراق والشام...
نعالج هذه المسألة متوكلين على الله متوسلين أن يلهمنا الحق والرشاد الذي يرضيه عنا.. ونبني كلامنا على كتاب الله وهدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم دون افتراء أو تجنّ على أحد، فما يروّجونه من أشرطة مصورة ووثائق مكتوبة شاهد عليهم، كما الواقع (ومنه واقعنا في هذه المدينة) يشهد عليهم أيضا..
بدءا، من الضروري التأكيد أن المسلم يحب كل دولة إسلامية، ترفع راية التوحيد والخير والرحمة والمحبة والعلم والعمل، وتُعلي قيم العدل والحرية والشورى، وتحتكم إلى أحكام الله.. فمما تفرضه العقيدة الإسلامية طاعة الله ورسوله، وهذا معلوم من الدين بالضرورة، فالإيمان يفرض الالتزام والطاعة، "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"، فإن الإيمان يتضمن اليقين بأن حكم الله هو الخير والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، ومن هنا على المسلم أن يبرأ من كل قانون في البلاد يخالف شرع الله ويحاول تغييره بالتي هي أحسن..

لماذا اعتبرها أغلب علماء المسلمين فتنة ولم يوافقوا على ادعائها الاتصاف بالإسلامية؟ لأنها تخالف القطعي من هذا الدين، ولبّست ودلّست على المسلمين وعلى ظهرها استقوى الطغاة وتسلق الأعداء..
تعتمد هذه التنظيمات على الدليل من الكتاب والسنة بمنهج يقوم على مبدأين اثنين: الأول، هو الحرفية والظاهرية في فهم الآيات والأحاديث، الثاني، هو الانتقاء، مع قدر كبير من الوثوقية والتعصب، وإليك البيان:
-أولا: الحرفية والظاهرية: يحتل مبدأ "الحاكمية" محورا رئيسيا في فكرهم، ويستندون إلى الآيات من سورة المائدة "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[المائدة: 45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"، بناء على هذه الايات يحكمون بكفر الدول الإسلامية لأن في تشريعاتها ما يخالف شرع الله، ومن ثمة يوجبون قتالها والخروج عليها باعتبارها طاغوتا يجب الكفر به، وعليه يبيحون دم الجنود باعتبارهم أعوانا للطواغيت..
أُورد نماذج من أقوال المفسرن في هذه الآيات: رُوي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما ما يلي: "من ترك الحكم به جحدا له أو طعنا في حقيقته بعد ثبوت كونه حكم الله.."
قال القرطبي عنها: نزلت كلها في الكفار، فأما المسلم فلا يُكفر وإن ارتكب كبيرة، وقيل فيه إضمار: أي من لم يحكم بما أنزل الله ردا للقرآن وجحدا لقول رسول الله فهو كافر.
ومما جاء في تفسير الإمام محمد الطاهر بن عاشور: " أن الذي لا يحكم بما أنزل الله قد يفعل ذلك لأجل الهوى، وليس ذلك بكفر ولكنه معصية، وقد يفعله لأنه لم يره قاطعا في دلالته على الحكم، كما ترك كثيرمن العلماء الأخذ بظواهر القرآن على وجه التأويل وحكموا بمقتضى تأويلها وهذا كثير".
وبناء على نصوص القرآن والسنة وأقوال المفسرين ينكشف أن الحكم بتكفير فرد أو دولة ليس أمرا هيّنا وما هو بيد عامة الناس ولا حتى العلماء، بل هو بيد القضاء الشرعي الذي يبحث في حيثيات الواقعة (قولًا كانت أم فعلا، تعلقت بفرد أم بدولة) ثم يحكم عليها بالكفر أو عدمه.. فقد تخالف دولة ما، وقد يعصي شخص ما، ولكن الحكم عليها وعليه بالكفر أمر في منتهى الخطورة.. لكن هؤلاء يستسهلون تكفير الأشخاص والدول، ويُطلقون ألسنتهم بشتى النعوت والشتائم والتشبيهات حتى بالكلاب على مخالفيهم، ويُعملون سيوفهم بلا تروٍّ ولا تثبت، ولكنهم في المقابل لا يطبقون تلك الآيات على أنفسهم ومنهم العاصي والعاق لوالديه والكاذب والمنتهك لحرمة المؤمنين وأعراضهم...
وبناء على ما سبق يعتبرون الدولة طاغوتا، ويتوسعون في استعمال الكلمة في غير محلها حتى يصبح الجندي عندهم عون طاغوت دمه مباح والتمثيل بجثته جائز، وهذا ما فعلوه في تسعة من الجنود التونسيين في الشعانبي العام الماضي. (فهل كان ذلك إشاعة؟؟؟) ولو عدنا إلى العبارة القرآنية قبل تحريف معناها فسنجد ما يلي: لم ترد عبارة "الطاغوت" في القرآن الكريم إلا معرّفة في ثمانية مواضع، فيها أمر باجتناب الطاغوت والتحاكم إليه، مقابل الأمر بالإيمان بالله وعبادته وحده، منها قول الله تعالى: "فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى". نعود الآن لما قاله العلماء والمفسرون في معنى "الطاغوت": نقل الطبري عن عمر بن الخطاب ومجاهد والضحاك وغيرهم، أن الطاغوت هو الشيطان. وقال قتادة وآخرون: هو الساحر والكاهن. وقال ابن القيم: هو ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع من دون الله برضاه. وقال الإمام ابن عاشور: الطاغوت الأوثان والأصنام... وهو مشتق من الطغيان، وهو الارتفاع والغلو في الكِبر. فكيف ينحرفون بالمعنى ليستحلوا به دماء المؤمنين؟؟
-ثانيا: الانتقاء والاجتزاء: عشق الدماء يجعلهم لا يرون في الإسلام إلا سيفا يذبح ورشاشا يفجر الرؤوس ومصورة تنشر الصور في العالم، وهنا يتفنن كثير من الشباب بل بعض الأطفال في سرد آيات بعينها مثل قول الله تعالى: "فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم" و " واقتلوهم حيث ثقفتموهم" و " قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة"... ويقولون ويردد قولهم أعداء الإسلام: ها هو القرآن دليل على الذبح والتقتيل، كل مسيحي أو يهودي أو مخالف (يسمونه منافق أو كافر أو...) جائز قتله، بلا تمييز وإن كان معاهَدا.. أين يفرون من آيات أخرى بعضها يرد في نفس السورة إلى جانب آيات القتال: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" و "وإن مشرك استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه"
"وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم"، و " لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم"، وبعد ذلك كله يصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثا "بالسيف رحمة للعالمين" فيفترون على الله الذي قال "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"... وبعد تجاهل هذه الآيات أو لي عنقها – كما سبق - يستنجدون بأحاديث في سندها وسياقاتها كلام كثير ويجعلونها عناوين رئيسية للإسلام، وجاهل عندهم من لم يعلمها: منها نذكر حديثين اثنين: " بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ، حتى يُعبدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ "
وما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاصى قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما كانت تظهر من عداوته. قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما فى الحجر فذكروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قد سفّه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرّق جماعتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم. أو كما قالوا. قال فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقبل يمشى حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول. قال فعرفت ذلك فى وجهه ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك فى وجهه ثم مضى ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها فقال "تسمعون يا معشر قريش أما والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح"..
حديثان لم يردا في كتب الصحاح وفي سندهما تكلم العلماء بالنقد والبيان يجعلهما أصل الإسلام وجوهره وواجهته الأولى؟؟؟ ومن الثابت عند علماء أصول الفقه عدم الاستناد إلى الحسن والضعيف من الحديث في التشريع لما فيهما من ظن.. التفتوا معشر المسلمين إلى الصحيح من حديث رسول الرحمة والهدى وإلى الثابت من سيرته:
*قال عليه الصلاة والسلام: "إنما أنا رحمة مهداة"، وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ) رواه البخاري*قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً وميسراً". والتعنت التعصب والمكابرة، والإعنات: التشدد وإلزام الناس بما يشق عليهم.
لمّا كان النبي صلى الله عليه وسلم في أشد لحظات الكرب والشدة عندما رجع من الطائف على الحالة التي رجع فيها، وجاءه ملك الجبال منتظراً إشارة منه صلى الله عليه وسلم ليُطبق عليهم الأخشبين قال: بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً، و كان كثيراً ما يردد: ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ) برغم إيذائهم له، فلو كان أرسل لهم جميعاً بالذبح لدعا عليهم لا لهم ، وكان قد دخل مكة فاتحا منتصرا قادرا على تذبيحهم والتنكيل بمن آذوه وقتلوا عمه وأصحابه خاصة، لكنه قال قولا تتعلم منه الإنسانية جميعا قيم الرحمة والعفو والحِلم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".. هل هذا دين ذبح يا من تؤمنون بالله وتحبون رسول الله؟؟؟ ما سُميت تلك الدولة "إسلامية" إلا باطلا.. لم يعد يحتاج أعداء الإسلام اليوم إلى رسوم أو أفلام تسيء إلى النبي، فهذا نموذج يثبتون به تهمة الإرهاب، إنه الدس من الداخل وتخريب البيت بيد أصحابه، ولكن دولة الإسلام التي ستبقى هي دولة الحق والعدل والرحمة والخير والسلام... هل ننسى مرة أخرى أن تحية الإسلام الســـــــــــــــــــــــــــــــــــــلام؟؟؟؟ كادوا يلبّسون على المسلمين الأمور فينسون أن الأصل في تحيتهم حتى مع غير المسلمين هي السلام (مع وجود استثناءات قليلة منها العدوان)، ألم يقل الله تعالى: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"، " وقيله يا رب، إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون. فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون".. يكاد هؤلاء يبدلون تحية الإسلام لتصبح: السيف/البندقية عليكم؟؟؟ أو "الذبح لكم"؟؟؟؟
هل يعني ذلك منا استسهالا وهوانا واستحضارا لآيات التسامح وتغييبا لآيات الجهاد والقتال؟؟ ليس ذلك ما نريد ولا هذا ما يذهب إليه أي مسلم يخاف الله: إن الجهاد ذروة سنام الإسلام، به يُرد اعتداء المعتدين ويكون النصر للنساء والولدان والمستضعفين، وهو محكوم بقواعد وأحكام منها قول الله تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".. وهو لم يكن يوما سيفا مسلطا على المؤمنين ولا حتى على المنافقين داخل الجسم الإسلامي.. ليس الجهاد مطلقا قتلا للكافر أو المشرك دون سبب، استمع إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل مُعاهَدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً"، وانظر جيدا فيما سبق من آيات، ليس القتال غاية ولا أصلا في الإسلام مثلما يظهر في واقع هذه الدولة التي تدعي الإسلام، كما أن الجهاد أبواب يقفز بعضهم عليها جميعا ليحصروه فقط في القتال، بينما أول أبواب الجهاد جهاد النفس، ومنها التعلم والعمل..

والآن أيها المسلم، أيها الشاب المسلم، هلاّ أدركت أنها فتنة، وأنها انتهاك لحرمات في الدين عظيمة وأخطرها الدماء، هل لمن سفك دما حراما أو من وافق وتبنى أمل في الجنة؟؟ ألا نعرف جميعا قول الله تعالى: " ومن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، ألا نعرف جميعا ما روى البخاري ومسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: “بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ، فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ [جاء في بعض الرّوايات أنّه مرداس بن نهيك، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله]، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ! فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم [وفي رواية مسلم: فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم] فَقَالَ: ((يَا أُسَامَةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟!)) قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا [إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاَحِ] [أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟! أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا ؟!] فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ”.. وانظر أيضا إلى قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً "..
آيات محكمة وصريحة وأحاديث صحيحة تهدي الحيارى وتُرجع الضالين وترشد السائلين وتُطمئن المرتابين والمترددين..

إنها فتنة عظيمة، قاتل فيها المسلمُ المسلمَ بكل ضراوة بتبرير بسيط أو بشبهة ضعيفة وأهملوا كل تلك النصوص المحكمة الثابتة المؤيَّدة بسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأهملوا قول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" .. هي فتنة قتل فيها من كان يهتف باسم تنظيم القاعدة وجبهة النصرة قبل أشهر قليلة من يهتف باسمها ويواليها اليوم بعد ظهور هذا التنظيم.. هذه الفتنة شغلت المسلمين وشباببنا خاصة بالقضايا الفرعية الخلافية في العقيدة والفقه، تكلموا فيها بكل وثوقية وبقليل علم، (مثل دعاء القنوت، توقيت الصلوات، وغيرها) فأثاروا الصراعات في المساجد وفتشوا في ضمائر الناس وفي قلوبهم، وأهملوا محاسبة أنفسهم، تشددوا في الشكل وأهملوا جوهر الدين ومقاصده وتهاونوا في العلم والأخلاق والعمل.. وفي هذا ضياع للوقت ولطاقات الأمة وتفكيك لوحدتها وضرب لأمنها وتمكين لأعدائها.. وازدادت شدة هذه الفتنة لمّا تمكن هذا التنظيم من السيطرة على مساحات واسعة من بلاد الشام وأعلنوها دولة، فتبعثرت جهود الساعين إلى التحرر من الأنظمة الدموية الحاكمة هناك، وزادت معاناة الناس وتشريدهم، ثم تدخلت قوى الشر في العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة لترسخ قدمها في أرض المسلمين وتنهب ثرواتهم وتزيدهم تفريقا وتشتيتا... ولذلك لا يجوز أن نطلق على ذلك التنظيم اسم "الدولة الإسلامية" لما فيه من تلبيس على المسلمين وتفريق لهم ولما فيه من تشويه للإسلام.
الخطبة الثانية:ما الحل إذن؟
قال الله تعالى: "ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، أول واجباتنا جميعا وخاصة شبابنا أن ينشغل كل واحد بعيوبه ويجاهد نفسه فيعلمها ويؤدبها ويخلّقها بأخلاق الإسلام، ولا يكون سيفا مسلطا على إخوته.. تريثوا شباب المسلمين ولا تتسرعوا في الانخراط في متاهات الفروع والخلافيات، أوغلوا في هذا الدين برفق وبعقل وعلم دون تعصب أو تنطع أو مغالاة، وإن كنت صاحب همة عالية وطموح كبير ورغبة صادقة في الجهاد ونصرة الأمة فالعدو واضح، أمامك وليس خلفك، مقاومته لا تكون برشاشة مجنونة ولا بسيف بربري، بل بعلم وعقل وحكمة.. وإن اشتبهت عليك الأمور فتوقف، لن يدخلك الله جهنم إذا اكتفيت بالصلاة والصيام والكدح في التعلم ومجاهدة النفس بحسن الأخلاق.. إنّ بعض شبابنا اعتقدوا أنهم لن يدخلوا الجنة ما لم يكفّروا ولم يناصروا القتل والتذبيح.. بينما نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتزال الفتن والفرار منها، وقد بوّب البخاري في صحيحه: "باب من الدين الفرار من الفتن"..
وقال الله سبحانه: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب" قال فيها ابن عباس: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب.. وروي عن ابن مسعود قوله " مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قُبل منكم فإن رد عليكم فعليكم أنفسكم ".. الوعي بخطر هذا الفكر مهم وضروري، والاستهانة بخطره كلّفتنا وتكلّفنا باهضا.. إنه من أخطر ما يصيب الأمة اليوم، أخطر من أعداء الداخل ومن كل أعداء الخارج.. ومن هنا يكون واجب الوقاية والعلاج، أن نزود أنفسنا بالعلم الضروري الذي يواجه تلك الانحرافات ولا نبخل في تلقيح أبنائنا بحُقن الرحمة والمحبة ورفعة الأخلاق وننوّر عقولهم بالعلم وقلوبهم بالقرآن، وهذه هي الأصول الثابتة التي تجمع المسلمين وتوحدهم.
كما يجب التنبه إلى خطر التنطع والتعصب مهما كان لونه أو انتماؤه، فقد ترفع مشاريع شعارات قومية أو عمالية أو نقابية أو "حداثية" ولكنها تختزن جبالا من الحقد والكراهية، تبرره وتتفنن في نشره وإشاعته، وهذا كله لا يبني أمة، بل يهيئ لفتنة..
وقى الله الأمة من الفتن و أبطل كيد كل من يتربص بها ويُعادي دينها ويتلاعب بأمنها ورزقها...

No comments: