Pages

بسم الله الرحمان الرحيم



بسم الله الرحمان الرحيم

مرحبا بكم

Meditations

May 3, 2012

حتّى نبني التوافق

أنجزت تونس ثورتها السلمية بلا إعانة أو تدخل أجنبي، بلا تأطير و لا زعامة. وقف شبابها المتعلم الذي أضنته البطالة، ومناطقها الداخلية التي ألقيت على رصيف التهميش، ونسائها المتحرّرات المناضلات، كلهم وقفوا وقفة رجل واحد ليعلنوا رفضهم للدكتاتورية ، للإهانة، للنهب و المحسوبية و المحاباة. مرّت أربع أشهر على فرار الرّئيس المخلوع، احتلّ أثناءها رجال السياسة السابقون و اللاحقون المواقع التي تركها لهم الشباب بشجاعة و أمل. لكنّ الهدوء لم يستتب و تكاثرت الصراعات فأصبحت الاعتصامات هي القاعدة و أضحى الاحتجاج على السلطة أسلوبا جديدا في التعامل. حتمية التوافق إن إرجاع عجلة البلاد للدوران أضحى اليوم حتمية ملحة تفرض علينا جميعا الانكباب على العمل و إنعاش التوافق الاجتماعي و استنفار قوى كل التونسيين في خدمة الصالح العام مع الحفاظ على مكتسبات الثورة العظيمة حتّى لا تثنينا العوائق و قوى الجذب إلى الخلف و تحيد بنا عن المسار المنشود. التوافق هو الخيار الوحيد إلا أنّ التوافق لا يفرض بل يشيد بعزم وبمرحلية تنبني على ثلاثة أسس متلازمة في مجالات السياسية و الأمن والاقتصاد. من أجل القطع مع السياسات البائدة في المجال السياسي يتحتّم الانسلاخ التام عن النظام البائد بمؤسساته ورجالاته وأساليبه. وقد قامت "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي" رغم ضعف شرعيتها عند تأسيسها، بخطوات مشهودة في هذا المجال وذلك بثباتها على قراراتها وتعديلها لكفة ميزان السلطات. فقد نجحت هذه الهيئة في أن تفرض أسلوبها ورؤيتها ومقترحاتها بصورة تدريجية، ولكن القطع مع النظام البائد مازال في بداياته، فبعض رموز نظام بن علي بصدد تكوين أحزاب سياسية و تنظيم اجتماعات شعبية ونشر أفكار على أعمدة الجرائد تمهيدا لانتخابات المجلس التأسيسي وبعض وزراء حكومات ما قبل 14 جانفي مازالوا موجودين بصفات محدثة و ينسقون العمل الحكومي في الخفاء وآخرون احتفظوا بمقاليدهم في مناصب مركزية. إن التونسيين وخاصة الشباب منهم ينادون باسم ثورتهم بالقطع التام مع العهد القديم ويرفضون أن تنهب ثورتهم وتطفو الممارسات والرموز البائدة على السطح من جديد تحت عناوين منمقة متملقة. إن الانسلاخ عن السياسة البائدة يتطلب مزيدا من الوثوق و العزم و الإصرار و لكن خاصة كثيرا من الشفافية و الإعلام. التحكم في المنظومة الامنية لقد تم إقرار بعض الإجراءات لطمأنة قوى الأمن و الشرطة و ضمان موالاتهم و تجندهم، منها الزيادة في أجورهم و إقصاء عشرات من المسؤولين السامين منهم، ولكن هل يكفي هذا لتغيير عقلية 120000 عون من وزارة الداخلية، إذا لم تتبعه خطة عمل واضحة لدعمهم و تأطيرهم? و كيف يستعيد هؤلاء الأعوان دورهم الأوحد و هو خدمة المواطن و قيم الجمهورية بعد أن همشوا في العهد السابق فكانوا،وهم المأمورون، أداة في يد النظام و أزلامه و العائلات الحاكمة. إحياء الأمل بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الراهن المتأثر بأزمة الوضع في الجهات،و غليان المطالب الاجتماعية المشروعة في اغلبها،إضافة إلى محنة القطاع السياحي المعطل،إلى جانب إعادة تركيز بعض النشاطات الهشة و انعدام الاستثمارات الأجنبية مع عدم إيجاد حلول توافقية، للمشاكل الاجتماعية و السياسية للحوض ألمنجمي بقفصة،كلّ هذا جعل نسبة البطالة في تفاقم مستمر لتجتاز عتبة 19% في غضون 2011 بعد أن استقرت في حدود 13% في موفّى سنة 2010. إن خلق مواطن الشغل في القطاع الخاص أصبح حدثا نادرا و تعقيد الإجراءات الإدارية و طولها في القطاع العمومي تحد من مساهمة فعّالة في إنعاش سوق الشغل. باستثناء برنامج "أمل" فان برنامج النهوض بالاقتصاد المعلن من طرف الحكومة المؤقتة لن يعطي ثماره قبل اشهر عديدة في أثنائها سيتضاءل تدريجيا احتياطي العملة الصعبة و تتنامى الشكوك في قدرة الدولة على الإيفاء بتعهداتها. في ظل كلّ هذه الاعتبارات، فقد الشباب العاطل عن العمل و خاصة منهم حاملي الشهادات بوصلة الاتجاه و تزعزع إيمانهم في أن تحمل لهم الثورة المكاسب التي يتطلعون إليها، أو أن تقترح عليهم الأحزاب السياسية بدائل فاعلة و معقولة. "النقاشات على الدستور ما توكلش الخبز" هذا ما يقوله المحبطون من الشعارات المتحمسة. و الخوف كل الخوف، أن يجرنا هذا الإحباط يوم 24 جويلية إلى تصويت جزائي متعصب يخدم مصالح المتطرفين من جميع المشارب و الملل. إنه من الحتمي أن تتمخض الأحزاب السياسية فتستنبط برامج اقتصادية و اجتماعية في أسرع وقت و ذلك لتركيز شرعيتها من جديد. هذه الشرعية التي تعني خاصة القرب من الشعب و الإلمام بمشاغل و تطلعات جميع شرائحه. إنّ الإلحاح كلّ الإلحاح يستوجب الانكباب سريعا على تركيز أسس الوفاق حتّى يكون العمل في خدمة التنمية المتضامنة. الرّاضي المؤدب

No comments: